كتاب المعاملات ----> كتاب الدَين والقَرض

كتاب الدَين والقَرض

مقدمة في الدين : الدين مال كلّيّ ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الأسباب. ويقال لمن اشتغلت ذمّته به: المديون والمدين، وللآخر: الدائن والغريم. وسببه إمّا الاقتراض، أو اُمور اُخر اختياريّة - كجعله مبيعا في السلم، أو ثمنا في النسيئة، أو اُجرةً في الإجارة، أو صداقا في النكاح، أو عوضا في الخلع، وغير ذلك - أو قهريّة، كما في موارد الضمانات، ونفقة الزوجة الدائمة، ونحو ذلك. وله أحكام مشتركة وأحكام مختصّة بالقرض.

مسألة 1 - الدين إمّا حالّ فللدائن مطالبته واقتضاؤه، ويجب على المديون أداؤه مع التمكّن واليسار في كلّ وقت، وإمّا مؤجّل فليس للدائن حقّ المطالبة، ولا يجب على المديون القضاء إلّا بعد انقضاء المدّة المضروبة وحلول الأجل. وتعيين الأجل تارةً بجعل المتداينين كما في السلم والنسيئة، واُخرى بجعل الشارع كالنجوم والأقساط المقرّرة في الدية.

مسألة 2 - لو كان الدين حالّاً أو مؤجّلا وقد حلّ أجله فكما يجب على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن كذلك يجب على الدائن أخذه وتسلّمه إذا صار المديون بصدد أدائه وتفريغ ذمّته. وأمّا الدين المؤجّل قبل حلول أجله فلاإشكال في أنّه ليس للدائن حقّ المطالبة. وإنّما الإشكال في أنّه هل يجب عليه القبول لو تبرّع المديون بأدائه أم لا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الثاني، إلّا إذا علم بالقرائن أنّ التأجيل لمجرّد إرفاق على المديون، من دون أن يكون حقّا للدائن.

مسألة 3 - قد عرفت أنّه إذا أدّى المديون دينه الحالّ يجب على الدائن أخذه؛ فإذا امتنع أجبره الحاكم لو التمس منه المديون؛ ولو تعذّر إجباره أحضره عنده ومكّنه منه بحيث صارتحت يده وسلطانه عرفا، وبه تفرغ ذمّته؛ ولو تلف بعد ذلك فلا ضمان عليه. ولو تعذّر عليه ذلك فله أن يسلّمه إلى الحاكم وبه تفرغ ذمّته. وهل يجب على الحاكم القبول؟ فيه تأمّل وإشكال. ولو لم يوجد الحاكم فهل له أن يعيّن الدين في مال مخصوص ويعزله؟ فيه تأمّل وإشكال. ولو كان الدائن غائبا ولايمكن إيصاله إليه وأراد المديون تفريغ ذمّته أوصله إلى الحاكم عند وجوده. وفي وجوب القبول عليه الإشكال السابق. ولو لم يوجد الحاكم يبقى في ذمّته إلى أن يوصله إلى الدائن أو من يقوم مقامه.

مسألة 4 - يجوز التبرّع بأداء دين الغير حيّا كان أو ميّتا؛ وبه تبرأ ذمّته وإن كان بغير إذنه بل وإن منعه. ويجب على من له الدين القبول.

مسألة 5 - لايتعيّن الدين في ماعيّنه المدين، ولايصير ملكا للدائن مالم يقبضه. وقد مرّ التأمّل والإشكال في تعيّنه بالتعيين عند امتناع الدائن عن القبول في المسألة الثالثة؛ فلو كان عليه درهم وأخرج من كيسه درهما ليدفعه إليه وفاءً عمّا عليه وقبل وصوله بيده تلف كان من ماله، وبقي ما في ذمّته على حاله.

مسألة 6 - يحلّ الدين المؤجّل بموت المديون قبل حلول أجله، لا موت الدائن؛ فلو مات يبقى على حاله ينتظر ورثته انقضاءه؛ فلو كان الصداق مؤجّلا إلى مدّة معيّنة ومات الزوج قبل حلوله استحقّت الزوجة مطالبته بعد موته؛ بخلاف ما إذا ماتت الزوجة، فليس لورثتها المطالبة قبل انقضائه. ولا يلحق بموت الزوج طلاقه، فلو طلّقها يبقى صداقها المؤجّل على حاله. كما أنّه لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس؛ فلو كان عليه ديون حالّة وديون مؤجّلة يقسّم ماله بين أرباب الديون الحالّة، ولا يشاركهم أرباب المؤجّلة.

مسألة 7 - لايجوز بيع الدين بالدين على الأقوى في ما إذا كانا مؤجّلين وإن حلّ أجلهما؛ وعلى الأحوط في غيره، بأن كان العوضان كلاهما دينا قبل البيع، كما إذا كان لأحدهما على الآخر طعام كوزنة من حنطة وللآخر عليه طعام آخر كوزنة من شعير فباع الشعير بالحنطة، أو كان لأحدهما على شخص طعام وللآخر على ذلك الشخص طعام آخر فباع ما له على ذلك الشخص بما للآخر عليه، أو كان لأحدهما على شخص طعام وللآخر طعام على شخص آخر فبيع أحدهما بالآخر. وأمّا إذا لم يكن العوضان كلاهما دينا قبل البيع وإن صار أحدهما أو كلاهما دينا بسبب البيع كما إذا باع ماله في ذمّة الآخر بثمن في ذمّته نسيئةً - مثلا - فله شقوق وصور كثيرة لايسعها هذا المختصر.

مسألة 8 - يجوز تعجيل الدين المؤجّل بنقصان مع التراضي. وهو الّذي يسمّى في لسان تجّار العصر بالنزول. ولا يجوز تأجيل الحالّ ولا زيادة أجل المؤجّل بزيادة.

مسألة 9 - لايجوز قسمة الدين؛ فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعدّدة كما إذا باعا عينا مشتركة بينهما من أشخاص أو كان لمورّثهما دين على أشخاص فورثاه فجعلا بعد التعديل ما في ذمّة بعضهم لأحدهما وما في ذمّة آخرين لآخر فإنّه لايصحّ. نعم، الظاهر كما مرّ في الشركة أنّه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي أحدهما منه حصّته، فيتعيّن له، وتبقى حصّة الآخر في ذمّته. وهذا ليس من قسمة الدين.

مسألة 10 - يجب على المديون عند حلول الدين ومطالبة الدائن السعي في أدائه بكلّ وسيلة ولو ببيع سلعته ومتاعه وعقاره أو مطالبة غريم له أو إجارة أملاكه وغيرذلك. وهل يجب عليه التكسّب اللائق بحاله من حيث الشرف والقدرة؟ وجهان بل قولان، أحوطهما ذلك، خصوصا في ما لا يحتاج إلى تكلّف وفي من شغله التكسّب، بل وجوبه حينئذٍ قويّ. نعم، يستثنى من ذلك بيع دار سكناه، وثيابه المحتاج إليها ولو للتجمّل، ودابّة ركوبه إذا كان من أهله واحتاج إليه، بل وضروريّات بيته: من فراشه وغطائه وظروفه وإنائه لأكله وشربه وطبخه ولو لأضيافه، مراعيا في ذلك كلّه مقدار الحاجة بحسب حاله وشرفه، وأنّه بحيث لو كلّف ببيعها لوقع في عسر وشدّة وحزازة ومنقصة. وهذه كلّها من مستثنيات الدين، لاخصوص بعض المذكورات، بل لايبعد أن يعدّ منها الكتب العلميّة لأهلها بمقدار حاجته بحسب حاله ومرتبته.

مسألة 11 - لو كانت دار سكناه أزيد عمّا يحتاجه سكن ما احتاجه وباع ما فضل عنه، أو باعها واشترى ما هو أدون ممّا يليق بحاله. وإذا كانت له دور متعدّدة واحتاج إليها لسكناها لا يبيع شيئا منها. وكذلك الحال في المركوب والثياب ونحوهما.

مسألة 12 - لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه ولم يكن سكناه فيها موجبا لمنقصة وحزارة وله دار مملوكة فالأحوط أن يبيع المملوكة.

مسألة 13 - إنّما لاتباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون حيّا، فلو مات ولم يترك غير دار سكناه أو ترك وكان دينه مستوعبا أو كالمستوعب تباع وتصرف فيه.

مسألة 14 - معنى كون الدار ونحوها من مستثنيات الدين أنّه لا يجبر على بيعها لأجل أدائه، ولا يجب عليه ذلك؛ وأمّا لو رضي به لقضائه جاز للدائن أخذه. نعم، ينبغي أن لايرضى ببيع مسكنه، ولا يصير سببا له وإن رضي به؛ ففي خبر عثمان بن زياد، قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام) : إنّ لي على رجل دينا وقد أراد أن يبيع داره فيقضيني؟ فقال أبو عبداللّه (عليه السلام) : اُعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه»، بل الاحتياط والتورّع في الدين يقتضي ذلك بعد قصّة ابن أبي عمير رضوان اللّه عليه.

مسألة 15 - لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات لا تباع إلّا بأقلّ من قيمتها يجب بيعها للدين عند حلوله ومطالبة صاحبه، ولا يجوز له التأخير وانتظار من يشتريها بالقيمة. نعم، لو كان ما يشترى به أقلّ من قيمته بكثير جدّا بحيث يعدّ بيعه به تضييعا للمال وإتلافا له لا يبعد عدم وجوب بيعه.

مسألة 16 - كما لايجب على المعسر الأداء يحرم على الدائن إعساره بالمطالبة والاقتضاء، بل يجب أن يُنظره إلى اليسار.

مسألة 17 - مماطلة الدائن مع القدرة معصية، بل يجب عليه نيّة القضاء مع عدم القدرة، بأن يكون من نيّته الأداء عندها.

مقدمة في القرض : وهو تمليك مال لآخر بالضمان، بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو قيمته. ويقال للمملّك: المقرض، وللمتملّك: المقترض والمستقرض.

مسألة 1 - يكره الاقتراض مع عدم الحاجة. وتخفّ كراهته مع الحاجة. وكلّما خفّت الحاجة اشتدّت الكراهة، وكلّما اشتدّت خفّت إلى أن تزول؛ بل ربما وجب لو توقّف عليه أمر واجب كحفظ نفسه أو عرضه ونحو ذلك. والأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه ولم يترقّب حصوله عدم الاستدانة إلّا عند الضرورة أو علم المستدان منه بحاله.

مسألة 2 - إقراض المؤمن من المستحبّات الأكيدة، سيّما لذوي الحاجة، لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته؛ فعن النبيّ 9 : «من أقرض أخاه المسلم كان بكلّ درهم أقرضه وزن جبل اُحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات، وإن رفق به في طلبه تعدّى به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب، ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه - عزّوجلّ - عليه الجنّة يوم يجزي المحسنين».

مسألة 3 - القرض عقد يحتاج إلى إيجاب - كقوله: «أقرضتك» أو ما يؤدّي معناه - وقبولٍ دالّ على الرضا بالإيجاب. ولا يعتبر فيه العربيّة بل يقع بكلّ لغة؛ بل تجري المعاطاة فيه بإقباض العين وقبضها بهذا العنوان. ويعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين: من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وغيره.

مسألة 4 - يعتبر في المال أن يكون عينا على الأحوط مملوكا؛ فلا يصحّ إقراض الدين ولا المنفعة، ولا ما لا يصحّ تملكّه كالخمر والخنزير. وفي صحّة إقراض الكلّيّ - بأن يوقع العقد عليه وأقبضه بدفع مصداقه - تأمّل. ويعتبر في المثليّات كونه ممّا يمكن ضبط أوصافه وخصوصيّاته الّتي تختلف باختلافها القيمة والرغبات. وأمّا في القيميّات كالأغنام والجواهر فلا يبعد عدم اعتبار إمكان ضبط الأوصاف، بل يكفي فيها العلم بالقيمة حين الإقراض؛ فيجوز إقراض الجواهر ونحوها على الأقرب مع العلم بقيمتها حينه وإن لم يمكن ضبط أوصافها.

مسألة 5 - لابدّ أنّ يقع القرض على معيّن، فلا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين؛ وأن يكون قدره معلوما بالكيل في ما يكال والوزن في ما يوزن والعدّ في ما يقدّر بالعدّ، فلا يصحّ إقراض صبرة من طعام جزافا. ولو قدّر بكيلةٍ معيّنة وملأ إناء معيّن غيرالكيل المتعارف أو وزن بصخرة معيّنة غير العيار المتعارف عند العامّة لا يبعد الاكتفاء به، لكنّ الأحوط خلافه.

مسألة 6 - يشترط في صحّة القرض القبض والإقباض، فلا يملك المستقرض المال المقترض إلّا بعد القبض، ولا يتوقّف على التصرّف.

مسألة 7 - الأقوى أنّ القرض عقد لازم؛ فليس للمقرض فسخه والرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودةً، ولا للمقترض فسخه وإرجاع العين في القيميّات. نعم، للمقرض عدم الإنظار ومطالبة المقترض بالأداء ولو قبل قضاء وطره أو مضيّ زمان يمكن فيه ذلك.

مسألة 8 - لو كان المال المقترض مثليّا كالحنطة والشعير والذهب والفضّة ثبت في ذمّة المقترض مثل ما اقترض. ويلحق به أمثال ما يخرج من المكائن الحديثة كظروف البلّور والصينيّ، بل وطاقات الملابس على الأقرب. ولو كان قيميّا كالغنم ونحوها ثبت في ذمّته قيمته. وفي اعتبار قيمة وقت الاقتراض والقبض أو قيمة حال الأداء وجهان، أقربهما الأوّل وإن كان الأحوط التراضي والتصالح في مقدار التفاوت بين القيمتين.

مسألة 9 - لايجوز شرط الزيادة، بأن يقرض مالا على أن يؤدّي المقترض أزيد ممّا اقترضه، سواء اشترطاه صريحا أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيّا عليه. وهذا هو الربا القرضيّ المحرّم الّذي ورد التشديد عليه. ولا فرق في الزيادة بين أن تكون عينيّةً كعشرة دراهم باثني عشر، أو عملا كخياطة ثوب له، أو منفعةً أو انتفاعا كالانتفاع بالعين المرهونة عنده، أو صفةً مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة. وكذا لافرق بين أن يكون المال المقترض ربويّا بأن كان من المكيل والموزون، وغيره بأن كان معدودا كالجوز والبيض.

مسألة 10 - لو أقرضه وشرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقلّ من قيمته أو يؤاجره بأقلّ من اُجرته كان داخلا في شرط الزيادة. نعم، لو باع المقترض من المقرض مالا بأقلّ من قيمته وشرط عليه أن يقرضه مبلغا معيّنا لا بأس به.

مسألة 11 - إنّما تحرم الزيادة مع الشرط، وأمّا بدونه فلا بأس، بل تستحبّ للمقترض، حيث إنّه من حسن القضاء، وخير الناس أحسنهم قضاءً؛ بل يجوز ذلك إعطاءً وأخذا لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء، فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لولا ذلك لم يقرضه. نعم، يكره أخذه للمقرض، خصوصا إذا كان إقراضه لأجل ذلك؛ بل يستحبّ أنّه إذا أعطاه شيئا بعنوان الهديّة ونحوها يحسبه عوض طلبه، بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره.

مسألة 12 - إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض، فلا بأس بشرطها للمقترض، كما أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي ثمانية، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤدّيها مكسورة؛ فما تداول بين التجّار من أخذ الزيادة وإعطائها في الحوائل المسمّى عندهم بصرف البرات ويطلقون عليه -على المحكيّ- بيع الحوالة وشراءها إن كان بإعطاء مقدار من الدراهم وأخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقلّ منه فلابأس به، وإن كان بإعطاء الأقلّ وأخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلا في الربا.

مسألة 13 - القرض المشروط بالزيادة صحيح، لكنّ الشرط باطل وحرام؛ فيجوز الاقتراض ممّن لا يقرض إلّا بالزيادة - كالبنك وغيره - مع عدم قبول الشرط على نحو الجدّ وقبول القرض فقط. ولا يحرم إظهار قبول الشرط من دون جدّ وقصد حقيقيّ به، فيصحّ القرض ويبطل الشرط من دون ارتكاب الحرام.

مسألة 14 - المال المقترض إن كان مثليّا كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير كان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه، سواء بقي على سعره الّذي كان له وقت الإقراض أو ترقّى أو تنزّل. وهذا هو الوفاء الّذي لايتوقّف على التراضي؛ فللمقرض أن يطالب المقترض به، وليس له الامتناع ولو ترقّى سعره عمّا أخذه بكثير، وللمقترض إعطاؤه وليس للمقرض الامتناع ولو تنزّل بكثير. ويمكن أن يؤدّي بالقيمة بغير جنسه، بأن يعطي بدل الدراهم الدنانير -مثلا- وبالعكس، ولكنّه يتوقّف على التراضي؛ فلو أعطى بدل الدراهم الدنانير فللمقرض الامتناع ولو تساويا في القيمة، بل ولو كانت الدنانير أغلى؛ كما أنّه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع ولو كانت الدنانير أرخص. وإن كان قيميّا فقد مرّ أنّه تشتغل ذمّته بالقيمة، وهي النقود الرائجة، فأداؤه -الّذي لا يتوقّف على التراضي- بإعطائها؛ ويمكن أن يؤدّي بجنس آخر من غير النقود بالقيمة، لكنّه يتوقّف على التراضي. ولو كانت العين المقترضة موجودةً فأراد المقترض أو المقرض أداء الدين بإعطائها فالأقوى جواز الامتناع.

مسألة 15 - يجوز في قرض المثليّ أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من غير جنسه، ويلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة، أو كان ما شرط عليه أقلّ قيمةً ممّا اقترض.

مسألة 16 - الأقوى أنّه لو شرط التأجيل في القرض صحّ ولزم العمل به، وليس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل.

مسألة 17 - لو شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد معيّن صحّ ولزم وإن كان في حمله مؤونة؛ فإن طالبه في غيره لم يلزم عليه الأداء، كما أنّه لو أدّاه في غيره لم يلزم على المقرض القبول. وإن أطلق القرض ولم يعيّن بلد التسليم فلو طالبه المقرض في بلد القرض يجب عليه الأداء، ولو أدّاه فيه يجب عليه القبول. وأمّا في غيره فالأحوط للمقترض - مع عدم الضرر وعدم الاحتياج إلى المؤونة - الأداء لو طالبه الغريم، كما أنّ الأحوط للمقرض القبول مع عدمهما، ومع لزوم أحدهما يحتاج إلى التراضي.

مسألة 18 - يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن أو الكفيل وكلّ شرط سائغ لايكون فيه النفع للمقرض ولو كان مصلحةً له.

مسألة 19 - لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان وجاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلّا الدراهم الاُولى. نعم، في مثل الأوراق النقديّة المتعارفة في هذه الأزمنة إذا سقطت عن الاعتبار فالظاهر الاشتغال بالدراهم والدنانير الرائجة. نعم، لو فرض وقوع القرض على الصكّ الخاصّ بنفسه بأن قال: «أقرضتك هذا الكاغذ المسمّى بالنوت» كان حاله حال الدراهم، وهكذا الحال في المعاملات والمهور الواقعة على الصكوك.