كتاب العبادات ----> المقدمة الرابعة: في المكان

المقدمة الرابعة: في المكان

مسألة 1 - كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلّا المغصوب عينا أو منفعةً. وفي حكمه ما تعلّق به حقّ الغير - كالمرهون - وحقّ الميّت إذا أوصى بالثلث ولم يخرج بعد، بل ما تعلّق به حقّ السبق بأن سبق شخص إلى مكان من المسجد أو غيره للصلاة -مثلًا- ولم يُعرض عنه على الأحوط. وإنّما تبطل الصلاة في المغصوب إن كان عالما بالغصبيّة وكان مختارا، من غير فرق بين الفريضة والنافلة. أمّا الجاهل بها والمضطرّ والمحبوس بباطل فصلاتهم - والحالة هذه - صحيحة؛ وكذا الناسي لها إلّا الغاصب نفسه، فإنّ الأحوط بطلان صلاته. وصلاة المضطرّ كصلاة غيره بقيام وركوع وسجود.

مسألة 2 - الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ. ولا تجوز أيضا في الأرض المشتركة إلّا بإذن جميع الشركاء.

مسألة 3 - لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب وفي الخيمة المغصوبة والصهوة والدار الّتي غصب بعض سورها إذا كان ما يصلّى فيه مباحا وإن كان الأحوط الاجتناب في الجميع.

مسألة 4 - لو اشترى دارا بعين المال الّذي تعلّق به الخمس أو الزكاة تبطل الصلاة فيها، إلّا إذا جعل الحقّ في ذمّته بوجه شرعيّ كالمصالحة مع المجتهد. وكذا لايجوز التصرّف مطلقا في تركة الميّت المتعلّقة للزكاة والخمس وحقوق الناس كالمظالم قبل أداء ما عليه. وكذا إذا كان عليه دين مستغرق للتركة بل وغير المستغرق، إلّا مع رضى الديّان، أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين. والأحوط الاسترضاء من وليّ الميّت أيضا.

مسألة 5 - المدار في جواز التصرّف والصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه وطيب نفسه وإن لم يأذن صريحا، بأن علم ذلك بالقرائن وشاهد الحال وظواهر تكشف عن رضاه كشفا اطمينانيّا لا يعتنى باحتمال خلافه، وذلك كالمضايف المفتوحة الأبواب والحمّامات والخانات ونحو ذلك.

مسألة 6 - يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة كالصحاري والمزارع والبساتين الّتي لم يُبن عليها الحيطان، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة كالاستطراقات العاديّة غير المضرّة والجلوس والنوم فيها وغيرذلك. ولا يجب التفحّص عن ملّاكها، من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين كالصغار والمجانين. نعم، مع ظهور الكراهة والمنع عن ملّاكها ولو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلّا في الأراضي المتّسعة جدّا، كالصحاري الّتي من مرافق القرى وتوابعها العرفيّة ومراتع دوابّها ومواشيها، فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع.

مسألة 7 - المراد بالمكان الّذي تبطل الصلاة بغصبه: ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها؛ فقد يجتمعان كالصلاة في الأرض المغصوبة، وقد يفترقان كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غيرمباح، وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غيرمغصوبة.

مسألة 8 - الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة، لكن على كراهيّة بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع، وبالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما، لكنّ الأحوط ترك ذلك. ولا فرق فيه بين المحارم وغيرهم، ولا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين، بل يعمّ الحكم الزوج والزوجة أيضا. وترتفع الكراهة بوجود الحائل وبالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد. والأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة، كما أنّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه وإن لا تبعد كفاية مطلقهما.

مسألة 9 - الظاهر جواز الصلاة مساويا لقبر المعصوم(عليه السلام) بل ومقدّما عليه، ولكن هو من سوء الأدب؛ والأحوط الاحتراز منهما. ويرتفع الحكم بالبعد المفرط على وجه لا يصدق معه التقدّم والمحاذاة ويخرج عن صدق وحدة المكان؛ وكذا بالحائل الرافع لسوءالأدب. والظاهر أنّه ليس منه الشُبّاك والصندوق الشريف وثوبه.

مسألة 10 - لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي إلّا مع تعدّي النجاسة غير المعفوّ عنها إلى الثوب أو البدن. نعم، تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ؛ كما يعتبر فيه أيضا مع الاختيار كونه أرضا أو نباتا أو قرطاسا؛ والأفضل التربة الحسينيّة الّتي تخرق الحجب السبع، وتنوّر إلى الأرضين السبع على ما في الحديث. ولا يصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن كالذهب والفضّة والزجاج والقير ونحو ذلك، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد. والأقوى جوازه على الخزف والآجر والنورة والجصّ ولو بعد الطبخ، وكذا الفحم؛ وكذا يجوز على طين الأرمنيّ وحجر الرحى وجميع أصناف المرمر، إلّا ما هو مصنوع ولم يعلم أنّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها. ويعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول والملبوس؛ فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل والملابس، كالمخبوز والمطبوخ والحبوب المعتاد أكلها من الحنطة والشعير ونحوهما، والفواكه والبقول المأكولة، والثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل. ولا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها دون المتّصل بها، إلّا مثل قشر التفّاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعا أو يؤكل أحيانا أو يأكله بعض الناس، وكذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعا على الأحوط. نعم، لابأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللبّ المأكول، ومع عدم مأكوليّة لبّه ولو بالعلاج لابأس بالسجود عليه مطلقا؛ كما لابأس بغير المأكول كالحنظل والخرنوب ونحوهما؛ وكذلك لا بأس بالتبن والقصيل ونحوهما. ولا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه. والأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة والشعير وكذا على قشر البطّيخ ونحوه. ولا يبعد الجواز على قشر الأرز والرمّان بعد الانفصال. والكلام في الملبوس كالكلام في المأكول؛ فلا يجوز على القطن والكتّان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغزل. نعم، لا بأس بالسجود على خشبتهما وغيرها كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّا لاتّخاذ الملابس المعتادة منها، فلابأس حينئذٍ بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص - مثلا - فضلا عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها. والأحوط ترك السجود على القنّب، كما أنّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات كالمتّخذ من الحرير والإبريسم وإن كان الأقوى الجواز مطلقا.

مسألة 11 - يعتبر في ما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه؛ فلا يجوز على الوحل غير المتماسك، بل ولا على التراب الّذي لايتمكّن الجبهة عليه. ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين وإن لصق بجبهته، لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجبا؛ ولو لم يكن عنده إلّا الطين غير المتماسك سجد عليه بالوضع من غير اعتماد.

مسألة 12 - إن كانت الأرض والوحل بحيث لو جلس للسجود والتشهّد يتلطّخ بدنه وثيابه ولم يكن له مكان آخر يصلّي قائما مومئا للسجود والتشهّد على الأحوط الأقوى.

مسألة 13 - إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه أو كان ولم يتمكّن من السجود عليه لعذر - من تقيّة ونحوها - سجد على ثوب القطن أو الكتّان؛ ومع فقده سجد على ثوبه من غير جنسهما؛ ومع فقده سجد على ظهر كفّه؛ وإن لم يتمكّن فعلى المعادن.

مسألة 14 - لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعةالوقت، وفي الضيق سجد على غيره بالترتيب المتقدّم.

مسألة 15 - يعتبر في المكان الّذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قارّا غير مضطرب؛ فلو صلّى اختيارا في سفينة أو على سرير أو بيدر: فإن فات الاستقرار المعتبر بطلت صلاته، وإن حصل بحيث يصدق أنّه مستقرّ مطمئنّ صحّت صلاته وإن كانت في سفينة سائرة وشبهها كالطيّارة والقطار ونحوهما، لكن تجب المحافظة على بقيّة ما يعتبر فيها من الاستقبال ونحوه. هذا كلّه مع الاختيار. وأمّإ؛ظظظظ مع الاضطرار فيصلّي ماشيا وعلى الدابّة وفي السفينة غير المستقرّة ونحوها مراعيا للاستقبال بما أمكنه من صلاته، وينحرف إلى القبلة كلّما انحرف المركوب مع الإمكان؛ فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلّا في تكبيرةالإحرام اقتصر عليه، وإن لم يتمكّن منه أصلا سقط، لكن يجب عليه تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب. وكذا بالنسبة إلى غيره ممّا هو واجب في الصلاة، فإنّه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله، ويسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه.

مسألة 16 - يستحبّ الصلاة في المساجد، بل يكره عدم حضورها بغير عذر كالمطر، خصوصا لجار المسجد، حتّى ورد في الخبر: «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد». وأفضلها المسجد الحرام، ثمّ مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ مسجد الكوفة والأقصى، ثمّ مسجد الجامع، ثمّ مسجد القبيلة، ثمّ مسجد السوق. والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهنّ، والأفضل بيت المخدع. وكذا يستحبّ الصلاة في مشاهد الأئمّة(عليهم السلام) ، خصوصا مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وحائر أبي عبداللّه الحسين (عليه السلام).

مسألة 17 - يكره تعطيل المسجد؛ وقد ورد أنّه أحد الثلاثة الّذين يشكون إلى اللّه عزّوجلّ يوم القيامة، والآخران عالم بين جهّال، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه؛ وورد أنّ «من مشى إلى مسجد من مساجد اللّه فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات».

مسألة 18 - من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد، وفيه أجر عظيم وثواب جسيم؛ وقد ورد أنّه قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «من بنى مسجدا في الدنيا أعطاه اللّه بكلّ شبر منه - أو قال: بكلّ ذراع منه - مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضّة ودرّ وياقوت وزُمُرّد وزبرجد ولؤلؤ» الحديث.

مسألة 19-عن المشهوراعتبارإجراءصيغةالوقف في صيرورةالأرض مسجدا، بأن يقول: «وقفتها مسجدا قربةً إلى اللّه تعالى»، لكنّ الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجدا مع قصد القربة وصلاة شخص واحد فيه بإذن الباني، فتصير مسجدا.

مسألة 20- تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه، وفي المزبلة والمجزرة والمكان المتّخذ للكنيف - ولو سطحا متّخذا مبالا - وبيت المسكر، وفي أعطان الإبل، وفي مرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ومرابض الغنم، والطرق إن لم تضرّ بالمارّة، وإلّا حرمت، وفي قرى النمل ومجاري المياه وإن لم يتوقّع جريانها فيها فعلا، وفي الأرض السبخة، وفي كلّ أرض نزل فيها عذاب، وعلى الثلج، وفي معابد النيران بل كلّ بيت اُعدّ لإضرام النار فيه، وعلى القبر وإليه وبين القبور. وترتفع الكراهة في الأخيرين بالحائل، وببعد عشرة أذرع. ولا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمّة (عليهم السلام) وعن يمينها وشمالها وإن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لا يساوي الإمام (عليه السلام). وكذا تكره وبين يديه نار مُضرمة أو سراج أو تمثال ذي روح؛ و تزول في الأخير بالتغطية. وتكره وبين يديه مصحف أو كتاب مفتوح أو مقابله باب مفتوح، أو حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها؛ وترتفع بستره. والكراهة في بعض تلك الموارد محلّ نظر، والأمر سهل.