كتاب العبادات ----> ختام فيه أمران

ختام فيه أمران

أحدهما: من المستحبّات الأكيدة التعزية لأهل المصيبة وتسليتهم وتخفيف حزنهم بذكر ما يناسب المقام وماله دخل تامّ في هذا المرام: من ذكر مصائب الدنيا وسرعة زوالها، وأنّ كلّ نفس فانية، والآجال متقاربة، ونقل ما ورد في ما أعدّاللّه تعالى للمصاب من الأجر، ولا سيّما مصاب الولد: من أنّه شافع مشفّع لأبويه، حتّى أنّ السقط يقف وقفة الغضبان على باب الجنّة فيقول: لا أدخل حتّى يدخل أبواي، فيُدخلهما اللّه الجنّة، إلى غير ذلك. وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده وإن كان الأفضل كونها بعده، و أجرها عظيم، ولا سيّما تعزية الثكلى واليتيم، ف' «من عزّى مصابا كان له مثل أجره، من غير أن ينتقص من أجر المصاب شي ء»، و «ما من مؤمن يعزّي أخاه بمصيبة إلّا كساه اللّه من حلل الكرامة»، و «كان في ما ناجى به موسى (عليه السلام) ربّه أنّه قال: يا ربّ ما لمن عزّى الثكلى؟ قال: اُظلّه في ظلّي يوم لاظلّ إلّا ظلّي»، وإنّ «من سكّت يتيما عن البكاء وجبت له الجنّة»، و «ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم إلّا ويكتب اللّه عزّوجلّ له بعدد كلّ شعرة مرّت عليها يده حسنة»، إلى غير ذلك ممّا ورد في الأخبار. ويكفي في تحقّقها مجرّد الحضور عند المصاب لأجلها بحيث يراه، فإنّ له دخلا في تسلية الخاطر وتسكين لوعة الحزن. ويجوز جلوس أهل الميّت للتعزية، ولا كراهة فيه على الأقوى. نعم، الأولى أن لا يزيد على ثلاثة أيّام؛ كما أنّه يستحبّ إرسال الطعام إليهم في تلك المدّة، بل إلى الثلاثة وإن كان مدّة جلوسهم أقلّ. ثانيهما: يستحبّ ليلة الدفن صلاة الهديّة للميّت، وهي المشتهرة في الألسن بصلاة الوحشة، ففي الخبر النبويّ: «لا يأتي على الميّت ساعة أشدّ من أوّل ليلة، فارحموا موتاكم بالصدقة، فإن لم تجدوا فليصلّ أحدكم ركعتين». وكيفيّتها على ما في الخبر المزبور أن «يقرأ في الاُولى بفاتحة الكتاب مرّة، و(قل هو اللّه أحد) مرّتين، وفي الثانية فاتحة الكتاب مرّة، و(ألهيكم التكاثر) عشر مرّات، وبعد السلام يقول: أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان بن فلان، فيبعث اللّه من ساعته ألف ملك إلى قبره، مع كلّ ملك ثوب وحلّة، ويوسّع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور، ويعطي المصلّي بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات، وتُرفع له أربعون درجة». وعلى رواية اُخرى: «يقرأ في الركعة الاُولى الحمد وآية الكرسيّ مرّة، و في الثانية الحمد مرّة، و(إنّا أنزلناه) عشر مرّات، ويقول بعد الصلاة: أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان». وإن أتى بالكيفيّتين كان أولى. وتكفي صلاة واحدة عن شخص واحد. وما تعارف من عدد الأربعين أو الواحد والأربعين غير وارد. نعم، لا بأس به إذا لم يكن بقصد الورود في الشرع. والأحوط قراءة آية الكرسيّ إلى «هُمْ فِيها خَالِدُونَ». والأقوى جواز الاستيجار وأخذ الاُجرة على هذه الصلاة. والأحوط البذل بنحو العطيّة والإحسان، وتبرّع المصلّي بالصلاة. والظاهر أنّ وقتها تمام الليل وإن كان الأولى إيقاعها في أوّله.